السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله محمد..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا أخوكم في الإسلام إسماعيل، من المغرب وأريد أن أستشيرك يا شيخ في أمر شخصي مهم أنا حائر فيه، فأنا بصدد اختيار الشعبة التي سأدرسها في الجامعة إن شاء الله، وعندما راجعت ميولي، وجدت أنني أحب اللغات، وقد وضعت هدفًا إن شاء الله بأن أتقنها وأعلمها للمسلمين هنا في بلدي لأن اللغات أساسية جدًّا جدًّا هنا، والتلاميذ والطلبة وعامة الناس يشتكون منها، فهي تمثل مشكلة كبيرة للناس هنا، ووجدت أيضًا أنني أحب العلم الشرعي، وخاصة أنني أجهله كثيرًا وكذلك أسرتي وعائلتي والمجتمع أيضا، فلا تكاد تجد متخصصًا متمكنًا فيه وخاصة من يدلك على السنة ويفتيك في أمور دينك، وزد على ذلك كثرة وجود من يفتون بغير علم- ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد استشرت أحدهم فقال لي: ادرس اللغة وتكسب منها، ثم ادرس العلم الشرعي، وهكذا تكون قد جمعت بين الأمرين، وآخر قال لي: تخصص في العلم الشرعي وتفرغ له واترك الرزق على الله. مع العلم أن دراستين متتابعتين ستأخذان وقتًا أطول من دراسة واحدة وأنا حاليا عمري 24 سنة، فإذا بدأت مثلا باللغات وأنهيتها إن شاء الله، فسأبدأ في طلب العلم الشرعي إن شاء الله في عمر يناهز 35 سنة..
السؤال الأول: هل أدرس دراستين متتابعتين كما أشاروا عليّ أم أدرس العلم الشرعي وحده؟
السؤال الثاني: إذا درست دراستين متتابعتين، هل طلب العلم الشرعي ممكن في هذا السن الذي هو 35 سنة؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فعليك سلام الله ورحمته وبركاته. في البدء أذكرك أخي الكريم بجملة أمور:
1- العلم الشرعي هو أشرف العلوم، لا يقارن بسواه، وبركته عظيمة على من حسن قصده، وصلحت نيته في طلبه.
2- الرزق بيد الله {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58]، وأسبابه كثيرة لا تقتصر على الشهادات والدرجات، فكم من ثري فتح الله عليه وليس معه شيء منها، والتجارة والزراعة، وكثير من الصنائع لا تتطلب درجات علمية، بل قد يقال إن التعويل في هذا الزمن في كثير من البلدان الإسلامية على الوظيفة ما هو إلا فتح باب للحاجة والفقر والاستغلال!
3- المؤسسات التعليمية لا تخرج علماء في الشريعة، بل غايتها أن تعطي مفاتيح، وقد تكون بعض تلك المفاتيح غير صالحة في كثير من البلدان التي اعتمدت في تدريس الشريعة منهاج منحرفة، لكن لاشك في وجود جامعات ومؤسسات تعليمية قوية في مناهجها، حسنة في تأصيلها وتأسيسها، تهيئ للطالب أسباب الطلب، وتعينه على تحصيل العلم. وبناء على ما سبق: إن تيسرت لك دراسة الشريعة في مؤسسة تعليمية تُحْسِن بناءك وتأسيسك، وتوفر لك دواعي الاجتهاد في الطلب، لا تؤسس لعقائد فاسدة، ولا لمناهج منحرفة، أو قوانين وضعية فذاك. ولاسيما مع قناعتي بأن حاجة الأمة لحملة الشريعة العدول أكبر من حاجتها لمن عداهم مهما كانت تخصصاتهم. وإلاّ فنصيحتي لك أن تدرس اللغات أو بعض العلوم النافعة إذا كانت ميولك إليها ونيتك صالحة فيها. ومع ذلك احرص على وضع برنامج شرعي يؤهلك، ويملكك مفاتيح الشريعة، وليس ذلك بالعسير مع دأبك على تجويد اللغات. لا لكون دراسة الشريعة هامشية تكفيها فضول الأوقات حاشا، بل العلم الشرعي لن يعطيك بعضه إلاّ إن أعطيته كلك، ولكن لأن التبحر في الشريعة لا يكفيه التخرج من جامعة تكفل للدارس مفاتيح العلوم، بل لابد أن يكون لك برنامج مع المحبرة حتى المقبرة! وهذا يمكن أن يحققه الطالب بالبناء الذاتي المنهجي المدروس قبل الشروع فيه. وقد تيسرت بحمد الله سبل العلم في هذا العصر جراء ثورة المعلومات والاتصالات، ووجدت مؤسسات مختصة تعتني بتأصيل الشرعي، والبناء المنهاجي المحكم للطلاب، وتنوعت المؤلفات في ذلك، وكثرت الدروس المبثوثة والمنقولة عن أهل العلم عبر الفضائيات والإنترنت والإذاعات وغيرها. فنصيحتي لك أن تبني لنفسك برنامجًا للتأصيل والتحصيل الشرعي، وأن تتريث في وضع هذا البرنامج، وأن تشاور فيه أكثر من مختص، وأن تقرأ في هذا الشأن قبل أن تقرر أكثر من رسالة، وتستمع إلى أكثر من عالم، فإن وضعت لنفسك خطة علمية وبرنامجًا تأصيليًّا، فرتبه على جدول زمني خلال سني دراستك للغات وبعدها، بما يتناسب والتزاماتك الأخرى. ثم ابدأ بتنفيذ ذلك الجدول، ومن ثمَّ عملية البناء العلمي. وثق أنك إن أحسنت وضع برنامجك العلمي وأحسنت اختيار من تشاور ومن تقرأ لهم في مناهج التأصيل العلمي، ثم ألزمت نفسك بذلك البرنامج، واستعنت قبل ذلك بالله في جميع أمورك، فسوف تتخرج من برنامجك بحصيلة مؤصلة حسنة التأسيس لا تعطيكها جامعة. ومرة أخرى أؤكد لك أن الدراسة الشرعية المنضبطة، إن تيسرت فهي خير، ولا تنافي هذا البرنامج بل ينبغي أن تجتمع معه، لكن إن تعذرت أو كانت غير مأمونة المناهج، فإن هذا البرنامج قد يغني عنها بحسب اجتهادك فيه.
هذا وأكثر من دعاء الله أن يلهمك الرشاد، وأن ييسر لك الخير، واستخره في أمرك، فهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل. ونرحب بك في موقع المسلم إن كانت لك رغبة في التواصل من أجل الإرشاد إلى جهات ومواد تساعد على وضع برامج علمية تأصيلية، مع سؤالي الله لك بالتوفيق والتسديد، والتيسير إلى الأمر الرشيد.
الكاتب: إبراهيم الأزرق.
المصدر: موقع المسلم.